عنقود هرمش الفائق (Hercules-Corona Borealis Great Wall)

Hercules-Corona Borealis Great Wall


عنقود هرمش الفائق (Hercules-Corona Borealis Great Wall)
عنقود هرمش الفائق (Hercules-Corona Borealis Great Wall)


 يُعد عنقود هرمش الفائق تركيبًا كونيًا غير تقليدي، وقد تم اقتراحه بناءً على دراسة توزيع انفجارات أشعة غاما (GRBs)، التي كشفت عن تجمعات غير اعتيادية للمجرات والمكونات الكونية الأخرى. في عام 2013، لاحظ فريق من العلماء وجود تكتل ملحوظ لعدد من انفجارات أشعة غاما ضمن نطاق الانزياح الأحمر (redshift) يتراوح بين 1.6 و2.1، مما يشير إلى وجود تركيز مادي هائل يمتد على نطاقات لا يمكن تصورها بسهولة. هذا التكتل، الذي يُقارن حجمه بنصف قطر الكون المرئي، يُعتبر أكبر تركيب معروف في الكون المرئي.

كيفية الاكتشاف والمنهجية العلمية

اُكتشف عنقود هرمش الفائق عبر تحليل بيانات الأقمار الصناعية مثل Swift  و Fermi ،  التي رصدت مئات انفجارات أشعة غاما على مدار عقود. قام العلماء بتقسيم العينة إلى مجموعات فرعية بناءً على الانزياح الأحمر، ولاحظوا أن إحدى هذه المجموعات           (التي تقع بين z = 1.6 و2.1) احتوت على عدد كبير من انفجارات أشعة غاما مُركزة في منطقة معينة من السماء. فهل يمكننا القول  إن هذا التكتل هو دليل على وجود هيكل ضخم من المجرات؟

        تحليل البيانات : اعتمد الباحثون على اختبارات إحصائية مثل اختبار "كولموغوروف-سميرنوف" واختبارات أخرى تعتمد على الجيران الأقرب لتقييم احتمالية وقوع مثل هذا التكتل بشكل عشوائي. أشارت النتائج إلى احتمالية ضئيلة جدًا لحدوث ذلك بالصدفة، مما دعم فرضية وجود تركيب هائل.

        الملاحظات المستندة إلى انفجارات أشعة غاما : نظرًا لأن انفجارات أشعة غاما تُعتبر مؤشرات على موت نجوم ضخمة وتواجد مجرات كثيفة، فإن تجمعها يدل على منطقة ذات كثافة مادية مرتفعة قد تضم عددًا هائلاً من المجرات.

الخصائص الفيزيائية والعلمية

الحجم والأبعاد: تشير التقديرات إلى أن العنقود يمتد على طول يقارب 10 مليارات سنة ضوئية (حوالي 3 جيجابارسيك)، مع أبعاد عرضية تصل إلى 7.2 مليار سنة ضوئية وسمك يُقدر بنحو مليار سنة ضوئية. هذه الأرقام تجعل منه تركيبًا يفوق في حجمه حتى أكثر الهياكل الكونية شهرة مثل "جدار سلون" (Sloan Great Wall) والـHuge-LQG بمقدار يتراوح بين 6 إلى 8 مرات.

  • التكوين والمكونات: يتكوَّن عنقود هرمش الفائق من:
    • مجرات وعناقيد مجرية: يُعتقد أن هذا الهيكل يحتوي على سلاسل مترابطة من العناقيد المجرية والجدران الكونية التي تتكون بدورها من مجرات متعددة.
    • مادة مظلمة: تُعتبر المادة المظلمة عنصرًا أساسيًا في تشكيل الهياكل الكونية، إذ تساعد الجاذبية على ربط المجرات والمجمعات معًا.
    • انفجارات أشعة غاما: التي تُستخدم كأدلة على وجود تجمعات مادية مرتفعة الكثافة، حيث أنها تحدث في المناطق النشطة بنشأة النجوم.

المصطلحات العلمية

من بين المصطلحات المستخدمة في وصف هذا الهيكل:

  • الانزياح الأحمر (Redshift): يُستخدم لتحديد المسافات الكونية وتاريخ تشكل الهيكل، حيث تتراوح قيم الانزياح بين 1.6 و2.1.
  • السنة الضوئية (Light-year): وحدة قياس المسافات في الكون؛ فإن امتداد العنقود يقاس بمليارات السنوات الضوئية.
  • الجيجابارسيك (Gpc): وحدة قياس كبيرة جدًا للمسافات الكونية (1 Gpc ≈ 3.26 مليار سنة ضوئية).

الجدل العلمي حول وجود العنقود

على الرغم من أن الكثير من الدراسات تدعم وجود تكتل غير اعتيادي من انفجارات أشعة غاما دلالةً على تركيب هائل، إلا أن هناك جدلاً علميًا حول صحة هذا الاكتشاف:

  • التحليلات الإحصائية: بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن الاختبارات الإحصائية قد تُبالغ في تقدير دلالة هذا التكتل، مما يستدعي المزيد من البيانات للتأكد من صحته.
  • التحيزات الرصدية: توجد احتمالية أن تكون بعض الانحيازات في توزيع الملاحظات أو تأثيرات منطقة التجنب في دراسات المجرات قد أثرت على النتائج.
  • الحاجة لمهام مستقبلية: أوصت بعض الأوراق العلمية بضرورة إطلاق أقمار صناعية مستقبلية مثل مهمة THESEUS للحصول على بيانات أكثر تجانسًا حول انفجارات أشعة غاما وتحسين دقة القياسات.

إمكانية وجود حياة داخل العنقود

من المنطقي أن نسأل: هل يمكن لعنقود هرمش الفائق، بهذه الكثافة الهائلة، أن يحتوي على بيئات قد تستضيف الحياة؟

  • الواقع الفلكي: العنقود نفسه ليس كيانًا متماسكًا كالنجوم أو الكواكب، بل هو تجمُّع لعدة مجرات وعناقيد مجرية.
  • البيئات القابلة للسكن: الحياة كما نعرفها تتطور داخل المجرات على كواكب تدور حول نجوم مستقرة؛ أما في الفضاء بين المجرات (الفضاء البين مجري)، فإن الظروف غير ملائمة لاستمرار الحياة.
  • بالرغم من أن كل مجرة قد تحتوي على بيئات صالحة للسكن، فإن العنقود ككل لا يُعتبر بيئة قابلة للسكن بشكل مباشر، بل هو عبارة عن بنية مترابطة تُظهر تنظيمًا على نطاقات هائلة.

تقديرات عدد المجرات

تُقدِّر بعض الدراسات أن العدد الإجمالي للمجرات داخل مثل هذه الهياكل الضخمة يمكن أن يكون هائلًا. على سبيل المثال:

  • التقديرات الحسابية: باستخدام الكثافة العددية للمجرات (التي تُحسب بواسطة دوال الكتلة الهالية) وحجم العنقود، يمكن الوصول إلى تقديرات تشير إلى وجود ما يقارب 4 مليارات مجرة – أو حتى أكثر إذا أخذنا في الاعتبار المجرات الصغيرة جدًا.
  • العوامل المؤثرة: تعتمد هذه الأرقام على تعريف "المجرة" المستخدم، حيث أن المجرات الصغيرة (مثل السحابة القزمة المجرية الصغيرة) هي أكثر شيوعًا من المجرات الكبيرة.

صور ذهنية

لتخيل هذا الحجم الهائل، تخيل أن كل مجرة هي بمثابة حبة رمل على شاطئ لا نهائي. الآن، انظر إلى تركيب يمتد على بعد 10 مليارات سنة ضوئية؛ فهذا يعني أن الضوء نفسه، الذي يستغرق 10 مليارات سنة لقطع هذه المسافة، يُبرز مدى ضخامة هذا الهيكل. يمكننا القول إن عنقود هرمش الفائق يمثل "لوحة فنية" كونية مرسومة على مدى مليارات السنين، حيث تتشابك فيها مجرات لا تُحصى في نظام متداخل من الجاذبية والمادة المظلمة.


الاستنتاج

في الختام، يُعد عنقود هرمش الفائق أحد أكثر التراكيب الكونية إثارةً للجدل والإعجاب على حد سواء. فهو يتحدى مفاهيم التجانس الكوني ويطرح تساؤلات حول كيفية تشكل الهياكل العملاقة في الكون منذ بداياته. وبينما تظل بعض التفاصيل حول حجمه وعدد المجرات التي يحتويها موضوعًا للنقاش والبحث المستمر، فإن البيانات الحالية تثبت أن الكون يحتوي على نظم معقدة ومترابطة تفوق أي تصور تقليدي.

وهكذا، تبقى رحلة البحث عن فهم أعمق لهذه الهياكل جزءًا لا يتجزأ من مسعانا لفهم الكون بأبعاده المختلفة – من النجم الفردي إلى أعظم التكتلات الكونية.


النهاية 



عزيزي القارئ

بما أنك تقرأ هذا السطر الآن، فهذا حقًا يشرفني ويدفعني إلى العمل بجهد أكبر من أجل تقديم محتوى علمي مميز يثري معرفتك ويمنحك رؤية أعمق عن عجائب الكون وأسراره. إن شغفك بالمعرفة ورغبتك في استكشاف المجهول هما ما يجعل لكل كلمة أكتبها قيمة حقيقية، وهو ما يحفزني دائمًا على البحث، التحقق، والتدقيق لنقل المعلومات بأفضل صورة ممكنة.

أشكرك من أعماق قلبي على وقتك واهتمامك، وأعدك بأن أبذل قصارى جهدي لمواصلة تقديم محتوى ممتع وموثوق يلبي تطلعاتك. لا تتردد في مشاركة أفكارك واقتراحاتك، فهي دوماً موضع تقدير واحترام.


مع خالص الشكر والتقدير

Morsli


إرسال تعليق

0 تعليقات